البوليساريو تغازل « حزب العمال » في لندن
الأربعاء 10 يوليوز 2024
بمناسبة فوز حزبه في الانتخابات الأخيرة وتعيينه من طرف البلاط الملكي رئيسا
للوزراء في بلاده بعث زعيم الانفصاليين في تندوف رسالة تهنئة إلى كير ستارمر،
رئيس الحكومة البريطانية الجديد، أشار من خلالها إلى أن “جبهة البوليساريو
منظمة شقيقة لحزب العمال”، مُعربا عن “تطلعه إلى مواصلة وتعميق العلاقات
القائمة بين المنظمتين”.
وثمن زعيم الكيان الوهمي ما وصفه بـ”الدعم الثابت” الذي يقدمه بعض النواب
واللوردات الُعماليين لهذا الكيان، مسجلا أن “الشعب الصحراوي يتطلع دائما إلى
المملكة المتحدة كمدافع قوي عن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان
والشعوب”، وإلى “مساهمة لندن بشكل عملي وفعال في الجهود الدولية الرامية إلى
إنهاء الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا”، بتعبير الرسالة.
من جهتهم؛ قلل خبراء من شأن وقيمة هذه الرسالة واعتبروها محاولة ورهانا على
تغير الخريطة السياسية في هذا البلد الأوروبي من أجل استمالة موقفه حول قضية
الوحدة الترابية المغربية، مؤكدين أن حجم التحديات الدولية التي تواجهها لندن،
وكذا طبيعة شراكتها مع الرباط، لا يمكن أن تقبل معها حكومة ستارمر التورط في
مواقف مناوئة للطرح المغربي الواضح.
في هذا الإطار قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، إن “تنظيم
البوليساريو دأب على إرسال تهنئات إلى قادة الدول الغربية غداة فوزهم في
استحقاقات انتخابية مصيرية، ويلجأ زعيمه إلى أساليب رومانسية تحن إلى المعجم
الخطابي السائد إبان الحرب الباردة، لاستدرار عطف تلك الدول ونخبها السياسية
الحاكمة، قصد استمالة رأيها من أجل مناصرة موقف الحركة من نزاع الصحراء”.
وسجل الكاين أن “تهنئة إبراهيم غالي الوزير البريطاني المنتخب حديثا جاءت طمعا
في تأييد الحكومية العمالية مشروع البوليساريو، ومحاولة للتأثير على أولويات
حكومة المملكة المتحدة المثقلة أصلا بالتحديات الكبرى، التي لن تترك فرصة للنظر
في قضية مجمدة منذ خمسة عقود بفعل تعنت دولة الجزائر في الوصول إلى حل سياسي
متفاوض بشأنه وعادل ومقبول من الأطراف”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “رئيس الوزراء البريطاني المنتخب، كير ستارمر، رجل
قانون ومحام في مجال حقوق الإنسان، ومدع عام سابق وخبير في الشأن الإيرلندي
وقضايا النزعات الانفصالية، ويمثل المصالح الإستراتيجية البريطانية، ولن تفوته
تبعية البوليساريو العمياء للنظام الجزائري ورغبته في حيازة منفذ بحري على
المحيط الأطلسي لتسويق موارده على حساب أمن واستقرار الصحراء وساكنتها ورغباتهم
في العيش الكريم على أرضهم تحت السيادة المغربية”.
وأشار رئيس منظمة “أفريكا ووتش” إلى أن “المسؤول البريطاني الجديد لديه ما
يكفي من ملفات مهمة يتعين عليه التعاطي معها، وعلى رأسها ملف إعادة ضبط
العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وابتعاد بريطانيا عن التأثير في
المجتمع الدولي، وكذا مواجهة رياح التغيير التي هبت على أوروبا في الآونة
الأخيرة”، موردا أن “هناك ملفات كبرى أهم بكثير من الخوض في نزاع اعتبرته
الولايات المتحدة منذ فترة شأنا مغربيا خالصا، وأي معالجة لا تحترم هذه
الخصوصية قد تعقد مسار التعاون مع المغرب”.
من جانبه أورد محمد عطيف، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن
“الكيان الوهمي الذي يتخذ من تندوف الجزائرية مقرا له لا تعترف به أغلب دول
العالم، ولا يتوفر على مقومات الدولة المحددة بموجب القانون الدولي، في حين أنه
يعتبر نفسه من خلال هذه الرسالة دولة قائمة الذات”، مضيفا أن “بريطانيا نفسها
لا تعترف بهذا الكيان وتعي جيدا ألا مصلحة لها في التماهي مع الطرح الانفصالي
في الصحراء المغربية”.
وأوضح عطيف، أن “لندن لديها توجه سياسي وإستراتيجي يرتكز على تعميق العلاقات
مع المغرب،وهو التوجه الذي تكرس مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ عمل
البلدان في السنوات الأخيرة على تعزيز تعاونهما وعلاقاتهما الثنائية من خلال
مجموعة من المشاريع، على غرار مشروع الربط الكهربائي البحري الذي يحظى باهتمام
بالغ من طرف الدولة البريطانية”.
وعلى هذا الأساس أكد الباحث ذاته أن “بريطانيا لا يمكن أن تقدم على أي خطوة من
شأنها المس بمصالح المغرب وقضاياه الوطنية، بغض النظر عن تغير الخريطة السياسية
في هذا البلد، وبالتالي فإن رسالة زعيم الانفصاليين لا معنى لها وفق المنطق
الدبلوماسي، ولا تعدو كونها رسالة موجهة للاستهلاك الداخلي في محاولة لإظهار أن
القيادات الانفصالية تتواصل مع الدول ذات الثقل العالمي، في حين أن رهانات لندن
الإستراتيجية ومصالحها أكبر بكثير من أن تتورط في دعم كيان مفتقد للشرعية
والمشروعية”.